نظراً للأهمية التي يكتسيها موضوع الجهوية المتقدمة ببلادنا، باعتبارها خياراً استراتيجياً وتتويجاً لمسار اللامركزية والديمقراطية المحلية التي تبناها المغرب تدريجياً منذ سنة 1959، واستكمالاً للمهمة الموضوعاتية التي أنجزها المجلس حول تفعيل الجهوية المتقدمة، فقد واصل المجلس خلال سنة 2024 تتبعه لهذا الورش الذي يأتي تنفيذاً للرؤية المتبصرة لجلالة الملك ولتوجيهاته السامية بهدف "إيجاد جهات قائمة الذات وقابلة للاستمرار، من خلال بلورة معايير عقلانية وواقعية لمنظومة جهوية جديدة" (الخطاب الملكي الذي وجهه صاحب الجلالة إلى الأمة بمناسبة تنصيب اللجنة الاستشارية للجهوية بتاريخ 3 يناير .(2010
ومن خلال تقريره الموضوعاتي حول تفعيل الجهوية المتقدمة، سجل المجلس أهمية الأشواط التي قطعها مسار تفعيل الجهوية المتقدمة، والذي تميز على الخصوص بالترسيخ التدريجي لدور الجهات كفاعل محوري في مجال التنمية الاقتصادية والاجتماعية المندمجة والمستدامة، وكشريك استراتيجي للدولة في تنفيذ المشاريع التنموية.
وقد شكل تسريع وتيرة تفعيل الجهوية المتقدمة أحد أولويات الفترة 2021-2026، بهدف نقل اختصاصات واسعة من الدولة إلى الجهات، بالتوازي مع تحويل الموارد المالية والبشرية الكافية لذلك، لضمان استقلالية الجهات في التدبير المالي والإداري، وجعلها قطبا تنمويا حقيقيا، ورافعة للتنمية البشرية والارتقاء
الاجتماعي، وشريكا أساسيا للدولة.
أولاً. تطور وتيرة تفعيل الجهوية المتقدمة
واصلت السلطات العمومية تنفيذ الأوراش الاستراتيجية الهادفة إلى تسريع تفعيل الجهوية المتقدمة من خلال مجموعة من الإصلاحات القانونية والمؤسساتية المرتبطة باللامركزية واللاتمركز الإداري، بالإضافة إلى تخصيص موارد وآليات متجددة لمواكبة الجهات في تفعيل اختصاصاتها ودعم قدراتها التدبيرية.
ففي ما يخص الإطار القانوني للجهوية المتقدمة، تم بتاريخ 2 نونبر 2023 إصدار المرسوم رقم 2.22.475 بتحديد مسطرة إعداد برنامج التنمية الجهوية وتتبعه وتحيينه وتقييمه، والذي تم بموجبه نسخ أحكام المرسوم رقم 2.16.299 ، الصادر بتاريخ 29 يونيو 2016 بهدف تحسين منهجية إعداد هذه البرامج وضبط أجالها القانونية وضمان دقة محتواها. ويتضمن هذا المرسوم تصنيفا للمشاريع المدرجة في برامج التنمية الجهوية، بحسب الإطار الذي ستنجز فيه ومصادر تمويلها، بالإضافة إلى التنصيص على تفعيل دور اللجنة الجهوية للتنسيق المحدثة تحت رئاسة والي الجهة، خلال مراحل إعداد هذا البرنامج.
وفي ضوء هذه المستجدات القانونية قامت وزارة الداخلية بالتأشير على الجيل الثاني من برامج التنمية الجهوية للفترة 2022-2027، التي تمت المصادقة عليها من طرف مجالس الجهات الاثنتي عشرة. وقدمت الوزارة لمجالس الجهات الدعم والتأطير اللازمين لإعداد هذه البرامج وتحسين محتواها، من خلال التواصل المباشر مع الإدارات الجهوية المعنية والكتابات العامة للشؤون الجهوية، إلى جانب تنظيم اجتماعات ولقاءات تشاورية على المستوى المركزي.
وفي ما يتعلق بتنفيذ الميثاق الوطني للاتمركز الإداري، الذي يعد ركيزة أساسية لنجاح ورش الجهوية المتقدمة، تضمنت خارطة الطريق المتعلقة بتفعيل مضامينه خمسة محاور، وهي: تنظيم القطاعات الوزارية، وآليات التتبع والحكامة، وتدبير الموارد البشرية، والتفويض والتكوين والتواصل واستكمالاً لتنزيل الإجراءات المبرمجة في هذا الإطار، تم بتاريخ 30 مارس 2023 إصدار مرسوم يتعلق بتفويض السلطة والإمضاء رقم (2.22.81)، بالإضافة إلى مصادقة مجلس الحكومة، بتاريخ 2 ماي 2024، على مشروع مرسوم بشأن مبادئ وقواعد تنظيم إدارات الدولة وتحديد اختصاصاتها (رقم 2.22.80)
وفي السياق ذاته، وتفاعلاً مع التوصيات التي أصدرها المجلس، عقدت اللجنة الوزارية للاتمركز الإداري اجتماعا واحدا خلال الفترة 2023-2024، بتاريخ 19 يونيو 2023. وقد تم خلال هذا الاجتماع مناقشة تجميع التمثيليات الإدارية المشتركة والقطاعية على المستوى الجهوي، وصودق على إحداث ثلاث تمثيليات مشتركة، وهي: المديريات الجهوية للتجارة والإنتاج الصناعي والاستخراجي والإدماج الاقتصادي والمديريات الجهوية للسياحة والصناعة التقليدية والاقتصاد الاجتماعي والتضامني والشباب والثقافة والتواصل، والمديريات الجهوية للتجهيز والبنيات التحتية. بالإضافة إلى ذلك، صودق على إحداث تمثيلتين قطاعيتين هما المديرية الجهوية للمالية والمديرية الجهوية للصيد البحري. وقد حددت اللجنة المذكورة أجل سنة لإعداد مشاريع المراسيم الخاصة بتحديد اختصاصات وتنظيم هذه المديريات، إلا أنه وإلى غاية أكتوبر 2024، لم يتم إصدار هذه المراسيم بعد.
وفي إطار تفعيل دور الكتابة العامة للشؤون الجهوية المنصوص عليه في المادة 33 من ميثاق اللاتمركز الإداري، والتي تتولى مهام التنسيق والتتبع والمواكبة اللازمة لمساعدة والي الجهة في ممارسة صلاحياته تم تعيين الكتاب العامين للشؤون الجهوية، على مستوى الجهات الاثنتي عشرة من قبل وزير الداخلية.
وبخصوص ممارسة الجهات الاختصاصاتها الذاتية والمشتركة، أطلقت وزارة الداخلية، بتنسيق مع جمعية جهات المغرب ورشة تشاورية مع القطاعات الوزارية ومجالس الجهات بهدف تحديد الإشكاليات المطروحة، لا سيما في ما يتعلق بممارسة الجهات الاختصاصاتها الذاتية والمشتركة. وقد تم تشكيل لجانموضوعاتية بين وزارية، منذ 2017 تهدف إلى تحديد الآليات الإجرائية لتفعيل ممارسة الجهة لبعض الاختصاصات، واقتراح النصوص التي تحتاج إلى تعديل أو تتميم في إطار الملاءمة التشريعية، إضافة إلى النظر في مسودة مشروع المرسوم المتعلق بتحديد مسطرة إعداد تصميم النقل الجهوي. وقد استأنفت هذه اللجان، خاصة لجنة التنمية الاقتصادية ولجنة النقل ولجنة التكوين المهني والشغل ولجنة البيئة، أعمالها اعتبارا من مارس 2023 وإعمالاً لمبدأي التدرج والتمايز بين الجهات عند نقل الاختصاصات من الدولة إلى الجهات، تعمل وزارة الداخلية على إعداد نظام لتقييم مردودية الجهات، سيمكن من تصنيف الجهات على أساس أدائها في بعض المجالات، من بينها ممارسة الاختصاصات.
أفادت رئاسة الحكومة بأنه يتم تعزيز الجهوية المتقدمة، لاسيما من خلال إعداد وتنفيذ برامج للتنمية الترابية المندمجة التي تقوم على الانسجام والتكامل بين الأهداف التنموية الجهوية والاستراتيجيات الوطنية، ويشكل التعاقد بين الدولة والجهات آلية فعالة لبلوغ هذه الغاية. ويتم بصفة موازية إنجاز مجموعة من البرامج في مجال اللامركزية الإدارية بهدف تعزيز آليات التعاون بين مصالح الدولة اللامركزية والجماعات الترابية.
وبالنسبة للموارد المالية المرصودة من قبل الدولة لصالح الجهات، استمر المنحى التصاعدي للمساهمات المخصصة من الصندوق الخاص الحصيلة حصص الضرائب المرصودة للجهات، إذ ارتفعت من 3,79 مليار درهم في سنة 2016 إلى 8,79 مليار درهم في سنة 2023، وفقًا لبيانات الوزارة المنتدبة المكلفة بالميزانية. وبلغ إجمالي الموارد المحولة من قبل الدولة حوالي 52,76 مليار درهم خلال الفترة من فاتح يناير 2018 إلى متم يوليوز 2024 واشتملت الموارد على حوالي 53% من حصيلة الضريبة على الشركات والضريبة على الدخل، مقابل %41% للمخصصات المالية من الميزانية العامة للدولة، و 6% من حصيلة الرسم على عقود التأمين.
أكدت الوزارة المنتدبة المكلفة بالميزانية أن إجمالي الموارد المحولة من قبل الدولة بلغ حوالي 52,76 مليار درهم خلال الفترة سالفة الذكر، وذلك دون احتساب مبلغ 500 مليون درهم تم دفعها مباشرة من حصة الجهات من مساهمة الميزانية العامة للدولة، لفائدة الصندوق الخاص بتدبير جائحة كوفيد 19 برسم مساهمة الجهات في تدبير هذه الجائحة وكذا مبلغ 400,91 مليون درهم تم دفعها برسم مساهمة الجهات في النفقات المتعلقة بالتسديدات والتخفيضات والإرجاعات الضريبية.
وجدير بالذكر بأن المادة 188 من القانون التنظيمي المتعلق بالجهات (رقم (111.14) حددت كهدف زيادة الموارد المرصودة من طرف الدولة للجهات لتصل إلى 10 مليارات درهم بحلول سنة 2021. في هذا السياق، ووفقًا لبيانات الوزارة المنتدبة المكلفة بالميزانية، بلغت هذه الموارد خلال سنة 2021 حوالي 9,1 مليار درهم مقابل 8.71 مليار درهم في سنة 2023، مما يمثل نسبة تقارب 87% من الهدف المنشود دون احتساب موارد صندوق التضامن بين الجهات التي بلغت 5,74 مليار درهم خلال الفترة الممتدة من 2024 2018 إلى يوليوز
وقد أفادت الوزارة المنتدبة المكلفة بالميزانية أن المبالغ المرصودة من طرف الدولة لفائدة الجهات، تشمل 9 مليار درهم توزع بين الجهات في إطار "الصندوق الخاص الحصيلة حصص الضرائب المرصدة للجهات" و 1 مليار درهم يحول الفائدة "صندوق التضامن بين الجهات".
ثانيًا. جوانب جديرة بالاهتمام لتسريع تفعيل الجهوية المتقدم
يظل تحقيق الأهداف التي تتوخاها الجهوية المتقدمة، وخاصة تمكين الجهات وباقي الجماعات الترابية من أداء أدوارها التنموية على النحو الأمثل رهينا بالاستجابة لمجموعة من المتطلبات الأساسية، لاسيما استكمال الإطار القانوني والمؤسساتي وملاءمته، وتفعيل الآليات الإجرائية التي وضعتها الدولة لتمكين الجهات من ممارسة اختصاصاتها الذاتية والمشتركة، بالإضافة إلى إرساء آلية التعاقد بين الدولة والجهات لتنفيذ المشاريع ذات الأولوية التي تتضمنها برامج التنمية الجهوية.
1. الإطار القانوني والمؤسساتي للجهوية المتقدمة
أهمية التنسيق مع الأطراف المعنية بحصر النصوص المرتبطة بالجهوية المتقدمة موضوع الملاءمة التشريعية والتنظيمية قصد التسريع باعتمادها حصرت اللجان الموضوعاتية بين المؤسساتية المحدثة من طرف وزارة الداخلية ثمانية عشر (18) مجالا ضمن الاختصاصات الذاتية للجهات وثلاثة (3) مجالات ضمن الاختصاصات المشتركة تتطلب تدخلا تشريعيا أو تنظيميا، لتحديد نطاق هذه الاختصاصات أو حدود تدخل مختلف الفاعلين العموميين لتدارك تداخل مهامهم مع اختصاصات الجهات. غير أنه وباستثناء مشروع المرسوم المتعلق بإعداد تصميم النقل داخل الدائرة الترابية للجهة، الذي يوجد قيد الدراسة على مستوى وزارة الداخلية، لم يتم بعد حصر جميع النصوص القانونية المتعلقة بمجالات تدخل القطاعات الوزارية ذات الصلة باختصاصات الجهات التي تقتضي التتميم أو التعديل في إطار الملاءمة التشريعية والتنظيمية.
وجدير بالذكر أنه في إطار أشغال هذه اللجان، تم إعداد مسودة الأجندة التشريعية والتنظيمية، التي حددت مجموعة من السيناريوهات المتعلقة بالتدخل التشريعي أو التنظيمي على مستوى النصوص القطاعية وكذا على مستوى القانون التنظيمي المتعلق بالجهات ونصوصه التطبيقية. غير أنه وإلى غاية شهر أكتوبر 2024، لم يُحسم بعد في التوجه الذي سيتم اعتماده بالنسبة لكل اختصاص وتحديد النصوص التشريعية والتنظيمية التي سيتم تعديلها أو ملاءمتها، ذلك أن مشروع هذه الأجندة لا يزال قيد الدراسة من طرف اللجان الموضوعاتية.
وتستلزم هذه المرحلة التنسيق الوثيق مع القطاعات الوزارية المعنية لضمان انخراطها الكامل في ورش الملاءمة التشريعية والتنظيمية، بهدف تسريع تفعيل اختصاصات الجهات الذاتية والمشتركة، وإيجاد حلول فعالة للإشكاليات المرتبطة بها، وذلك في أفق تعديل القوانين التنظيمية للجماعات الترابية عند الاقتضاء.
استكمال المنظومة القانونية للاتمركز الإداري : ورش مستمر يجب التعامل معه بمزيد من الفعالية
يُشكل اللاتمركز الإداري دعامة أساسية للجهوية المتقدمة، إلا أن ترسيخ ثقافة نقل الاختصاصات التقريرية من المركز إلى المستوى الترابي يتطلب بذل المزيد من الجهود، وذلك من خلال الإسراع في تجسيد الميثاق الوطني للاتمركز الإداري على أرض الواقع. في هذا السياق، لم يتجاوز معدل إنجاز خارطة الطريق المتعلقة بالميثاق المذكور %36% إلى غاية منتصف أكتوبر 2024 مقابل 32% خلال نفس الفترة من سنة .2023
كما تبقى وتيرة نقل وتفويض الاختصاصات ذات الأولوية، المتعلقة بالاستثمار إلى المصالح اللاممركزة غير كافية، حيث لم تتجاوز نسبتها، حسب جواب رئاسة الحكومة، %38% في منتصف أكتوبر 2024، وقد تم تفويض 19 اختصاصا فقط من أصل 50.
في هذا الإطار، أشارت رئاسة الحكومة إلى أن اللجنة الوزارية المنعقدة في يونيو 2023 قامت بالتذكير وحث القطاعات المعنية على تسريع تفويض 29 اختصاصا ذو أولوية في مجال الاستثمار من أصل 50. وقد تم على إثر هذا المقرر تفويض 04 اختصاصات: 01 قطاع الفلاحة 03 قطاع السياحة- 10 الاختصاصات في طور النقل أو التفويض 06 قطاع الصحة، 02 قطاع الصيد البحري 01 قطاع الطاقة، و 01 قطاع المالية، 15 اختصاص لم يتم بعد تفويضه : 04 قطاع التجهيز، 04 قطاع المياه والغابات، 03 قطاع الطاقة، 02 قطاع الأمانة العامة للحكومة، 01 قطاع النقل، 01 يخص الوكالة الوطنية لتقنين المواصلات.
وفي ما يتعلق بتوزيع هذه الاختصاصات حسب القطاعات، وحسب معطيات الوزارة المنتدبة المكلفة بالانتقال الرقمي وإصلاح الإدارة، فقد بلغت نسبة نقل أو تفويض الاختصاصات 100% في قطاعات الداخلية، والفلاحة والتنمية المستدامة، والسياحة، و 80% في قطاع النقل واللوجستيك. في المقابل، لم يتم بعد نقل أو تفويض أي اختصاص من طرف سبعة قطاعات حكومية الاقتصاد والمالية، والتجهيز والماء والأمانة العامة للحكومة، والمياه والغابات والانتقال الطاقي، والصحة والحماية الاجتماعية، والصيد البحري)، حيث لا تزال وضعية هذه الاختصاصات إما في طور التفويض أو غير مفوضة بعد. ويرجع هذا الوضع إلى عدة أسباب يمكن إجمالها في ما يلي:
- تأخر إصدار النصوص القانونية اللازمة لنقل أو تفويض بعض الاختصاصات، حيث يتطلب التفويض مراجعة أو إعداد أو إصدار بعض النصوص التشريعية والتنظيمية، كالنصوص التطبيقية للقانون رقم 08.22 المتعلق بإحداث المجموعات الصحية الترابية، وذلك لتفويض الاختصاصات المرتبطة بمنح التراخيص لمزاولة بعض المهن في مجال الصحة، أو تعديل المرسوم الملكي رقم 330.66 بتاريخ 10 محرم 1387 (21) أبريل 1967) بسن نظام عام للمحاسبة العمومية؛ أو إصدار المرسوم المتعلق بالمياه المخصصة للاستعمال الغذائي.
- تأخر إحداث التمثيليات الإدارية القطاعية أو المشتركة على المستوى الجهوي، مما أدى إلى تأخير تفويض بعض الاختصاصات لهذه التمثيليات، لاسيما في مجالات الصيد البحري والانتقال الطاقي؛
- عدم توفر المصالح اللاممركزة على الكفاءات اللازمة لتدبير القرارات المشمولة بالتفويض حسب إفادات القطاعات الوزارية المعنية.
وعزت الوزارة المنتدبة المكلفة بالانتقال الرقمي وإصلاح الإدارة كذلك هذا الوضع إلى الأسباب التالية:
عدم وجود ضرورة لنقل بعض الاختصاصات، نظرا للعدد المحدود لعدد الملفات المعالجة (مثل اعتماد المؤسسات المؤهلة لاستلام ومراقبة المصاعد وحاملات الأثقال المكلف شخص بمراقبتها، فعدد المؤسسات على المستوى الوطني لا يتجاوز 40 مؤسسة، ومنح شهادة اعتماد المختبرات حوالي 40 مختبرا مصنفا؛
صعوبة نقل بعض التراخيص، حيث أن الترخيص لإخراج المسالك العمومية من الملك العام يتم حاليا بموجب مرسوم الرئيس الحكومة بعد اقتراح من وزير التجهيز والماء.
ضرورة القيام بدراسة معمقة بين الأطراف المعنية لإيجاد الآلية المناسبة لنقل بعض الاختصاصات، كمراجعة نظام اعتماد مكاتب الدراسات والتي يمكن أن تقترح تحويل معالجة الطلبات جزئيا أو كليا إلى المستوى اللاممركز، والتدبير اللاممركز للتصاريح المتعلقة بالخدمات ذات القيمة المضافة كمراكز الاتصال).
إحداث التمثيليات الإدارية المشتركة للدولة ضرورة ملحة لإنجاح الجهوية المتقدمة
اعتبر الميثاق الوطني للاتمركز الإداري إحداث التمثيليات الإدارية المشتركة أولوية لتفعيل الجهوية المتقدمة. وتهدف هذه التمثيليات إلى تحقيق وحدة عمل مصالح الدولة على المستويين الجهوي والإقليمي وتنميط مناهج عملها، وحسن التنسيق بينها، وتحسين فعالية أدائها، والارتقاء بجودة الخدمات العمومية التي تقدمها، فضلا عن ترشيد النفقات العمومية.
إلا أنه، وإلى حدود منتصف شهر أكتوبر 2024 ، لم يتم إحداث التمثيليات الإدارية المشتركة بين القطاعات الوزارية على مستوى الجهة، وذلك بالرغم من مصادقة لجنة اللاتمركز الإداري على إحداث خمس تمثيليات جهوية للدولة (مديريتان جهويتان قطاعيتان وثلاث مديريات جهوية مشتركة) ونقل الاختصاصات التقريرية إليها.
وتعزى هذه الوضعية إلى تأخر في إعداد مشاريع المراسيم المتعلقة بتحديد اختصاصات وتنظيم هذه المديريات. فقد تم إلى غاية منتصف شهر أكتوبر 2024 ، توجيه مشروعين إلى الأمانة العامة للحكومة يتعلقان بإحداث وتحديد اختصاصات وتنظيم كل من المديرية الجهوية للسياحة والصناعة التقليدية والاقتصاد الاجتماعي والتضامني والشباب والثقافة والتواصل 25) اختصاصا تقريرياً والمديرية الجهوية للإنتاج الصناعي والاستخراجي والخدماتي والإدماج الاقتصادي (68) اختصاصا تقريرياً). في المقابل، لا تزال باقي مشاريع المراسيم في طور الإعداد من طرف القطاعات المعنية أو في طور التوافق حول مقتضياتها.
أفادت رئاسة الحكومة بأنه يتم دراسة وإعداد باقي مشاريع المراسيم المتعلقة بتمثيليات قطاعي التجهيز والماء والنقل واللوجستيك وتمثيليات قطاع المالية.
وأوضحت الوزارة المنتدبة المكلفة بالانتقال الرقمي وإصلاح الإدارة أن هذه الوضعية تعزى إلى طول مسار الإعداد المشترك لمشاريع هذه المراسيم والمصادقة عليها. حيث تم في هذا الشأن إعداد مشاريع المراسيم المتعلقة بالمديريات الجهوية المشتركة الثلاث سالفة الذكر، والتي كانت موضوع اشتغال اللجنة التقنية المنبثقة عن اللجنة الوزارية للاتمركز الإداري، التي عقدت أربع اجتماعات بشأنها بتواريخ 08 و 09 و 10 يناير 2024 و 03 ماي 2024. حيث تم عرض اثنين من مشاريع هذه المراسيم على مسطرة المصادقة بتاريخ 02 غشت 2024، يتعلقان بإحداث وتحديد اختصاصات وتنظيم كل من المديرية الجهوية للسياحة والصناعة التقليدية والاقتصاد الاجتماعي والتضامني والشباب والثقافة والتواصل (25) اختصاصا تقريرياً والمديرية الجهوية للإنتاج الصناعي والاستخراجي والخدماتي والإدماج الاقتصادي (68) اختصاص تقريرياً)، والتي تم التوافق على مضامينهما مع القطاعات المعنية. كما تم إرسال مشروع المرسوم المتعلق بالمديريات الجهوية المشتركة . للتجهيز والبنيات التحتية للوزراء المعنيين من أجل التوقيع عليه ووضعه في مسطرة المصادقة. وتمت كذلك مواكبة قطاع الصيد البحري لإعداد الصيغة الأولية لمشروع المرسوم المتعلق بالمديريات الجهوية للصيد البحري.
علاوة على ذلك، لم يتم اتخاذ أي إجراء بخصوص إحداث التمثيليات الإدارية المشتركة بين القطاعات الوزارية على مستوى العمالات والأقاليم، لاسيما إعداد مشاريع القرارات المشتركة لتحديد تنظيمها واختصاصاتها.
وأفادت الوزارة أنه لم يتم بعد اتخاذ أي إجراء بخصوص إحداثها وذلك بالنظر لضرورة انتظار صدور النصوص التنظيمية المتعلقة بالتنظيم على المستوى الجهوي أولا، ومعاينة مدى نجاح هذه التجربة على المستوى الجهوي قبل المرور للمستوى الإقليمي، وذلك وفق توجهات اللجنة الوزارية للاتمركز الإداري.
الوكالات الجهوية لتنفيذ المشاريع تفاوتات بين الجهات في تفعيل أدوارها وضرورة مدها بالوسائل والموارد
نص القانون التنظيمي للجهات على إحداث وكالات جهوية لتنفيذ المشاريع لتمد المجالس الجهوية بأشكال المساعدة القانونية والهندسية والتقنية والمالية اللازمة للقيام بمهامها. ووفقًا لمعطيات الوزارة المنتدبة المكلفة بالميزانية، شهدت الوكالات الجهوية لتنفيذ المشاريع، منذ بداية تفعيلها، تزايدًا مضطردا في عدد المشاريع الموكولة إليها من طرف الجهات، حيث بلغ إجمالي ميزانيات الاستثمار لهذه الوكالات ما يقارب 10,77 مليار درهم في سنة 2023 مقابل 8,24 مليار درهم في سنة 2022 و 2,13 مليار درهم في سنة 2018 مسجلة بذلك ارتفاعا مهما خلال الفترة من 2018 إلى 2023 ، تجاوزت نسبته 400%.
وجدير بالذكر بأن ميزانية الاستثمار لهذه الوكالات تتضمن إضافة إلى الاعتمادات السنوية الجديدة الاعتمادات المرحلة برسم السنوات السابقة بما فيها الاعتمادات غير الملتزم بها والباقي أداؤه.
وفي ما يخص تنظيم الوكالات، شهدت الفترة من 2023 إلى أكتوبر 2024 تعديل الهياكل التنظيمية لوكالات تنفيذ المشاريع بسبع جهات جهة طنجة تطوان الحسيمة، وجهة الشرق، وجهة فاس - مكناس، وجهة الرباط سلا القنيطرة، وجهة سوس - ماسة، وجهة درعة تافيلالت، وجهة كلميم واد نون. وفي هذا السياق، بلغ عدد مستخدمي الوكالات الجهوية لتنفيذ المشاريع 418 مستخدمًا في نهاية سنة 2023، مع تسجيل تفاوت كبير بين الوكالات، حيث تراوح عددهم ما بين 66 مستخدمًا على مستوى جهة بني ملال خنيفرة و 12 مستخدمًا على مستوى جهة كلميم واد نون.
وبغية تحويل الوكالات الجهوية لتنفيذ المشاريع إلى مشاتل للكفاءات والخبرة القانونية والتقنية والإدارية وتمكينها من ممارسة اختصاصاتها بفعالية أكثر، والمساهمة بشكل ملموس في ورش الجهوية المتقدمة يبقى من المهم الرفع من جاذبيتها لاستقطاب موارد بشرية ذات تجربة وخبرة عالية، مع الأخذ بعين الاعتبار خصوصيات المجال الترابي التابع لها.
أوضحت الوزارة المنتدبة المكلفة بالميزانية أن الوكالات الجهوية لتنفيذ المشاريع تتوفر على نظام أساسي خاص للموظفين، يسمح بتوظيف أطر نظامية أو متعاقدين بموجب عقود خاصة بامتيازات تمكن من استقطاب موارد بشرية ذات تجربة وخبرة عالية من شأنها المساهمة في إنجاز المهام المنوطة بها. وفي هذا الإطار، أكدت أنها تعمل باستمرار على دراسة مقترحات تعديل هذا النظام الأساسي بما يستجيب لمتطلبات هذه الوكالات.
كما أكدت الوزارة على أنها تقوم بمواكبة هذه الوكالات من خلال الاستجابة لمتطلباتها من الموارد البشرية بشكل تدريجي تماشيا مع مستوى نشاطها وقدرتها على تنفيذ البرامج الاستثمارية الموكولة إليها. كما يتم تعديل الهياكل التنظيمية لهذه الوكالات موازاة مع وتيرة تطورها، بغية الرفع من جاذبيتها واستقطاب موارد بشرية كفؤة، وذلك مع مراعاة تحقيق الانسجام بين هاته الهياكل التنظيمية.
2 آليات تفعيل الجهوية المتقدمة واختصاصات الجهات الذاتية والمشتركة والمنقولة
التعاقد بين الدولة والجهات: آلية لتنفيذ المشاريع ذات الأولوية ببرامج التنمية الجهوية تستدعي التفعيل
تعد عقود البرامج بين الدولة والجهات من بين آليات تنفيذ المشاريع ذات الأولوية المدرجة في برامج التنمية الجهوية في إطار تشاركي. وفي هذا السياق، انخرطت أربع جهات خلال الفترة 2020-2022 في ورش التعاقد من خلال إعداد عقود البرامج بين الدولة والجهات وباقي المتدخلين والمصادقة عليها واستيفاء مسطرة التوقيع عليها، وهي جهة فاس مكناس وجهة بني ملال خنيفرة، وجهة كلميم واد نون، وجهة الداخلة وادي الذهب، شملت 197 برنامجا ومشروعا تنمويا بكلفة إجمالية بلغت 23,56 مليار درهم غير أن معدل المشاريع مكتملة الإنجاز ضمن عقود البرامج الأربعة لم يتجاوز %9% إلى غاية متم أبريل 2024 مقابل 7% في متم سنة 2022. في حين بلغت نسبة المشاريع في طور الإنجاز 80% إلى غاية متم أبريل .2024
و بخصوص برامج التنمية الجهوية للفترة 2022-2027، وإلى غاية منتصف شهر أكتوبر 2024، لم تصادق مجالس الجهات على عقود البرامج لتنفيذ المشاريع ذات الأولوية المدرجة ضمن البرامج التنموية. ويُعزى هذا الوضع إلى عدم تزامن التخطيط لمرحلة إعداد هذه العقود مع مسطرة إعداد برامج التنمية الجهوية 2027-2022، حيث لم تعمل الجهات على تصنيف المشاريع التي ستنجز في إطار تعاقدي خلال مرحلة إعداد البرنامج التنموي، وذلك خلافا لمقتضيات المادة 11 من المرسوم المتعلق بتحديد مسطرة إعداد برنامج التنمية الجهوية وتتبعه وتحيينه وتقييمه (رقم 2.22.475). كما لم يساعد تأخر تعيين رؤساء التمثيليات الإدارية القطاعية والمشتركة على مستوى الجهات وتفويض الاختصاصات التقريرية إليهم على تيسير مسطرة التشاور حول مضمون هذه العقود بين الجهات والقطاعات الوزارية المعنية.
تسريع إصدار الإطار التنظيمي للتعاقد لضمان التفعيل الأمثل للاختصاصات المشتركة
تفعيلاً لتوصيات المجلس الأعلى للحسابات التي أصدرها في تقريره الموضوعاتي حول تفعيل الجهوية المتقدمة، عملت وزارة الداخلية على إعداد مشروع مرسوم يتعلق بتحديد شكليات وشروط إبرام وتنفيذ العقد بين الدولة والجهة وباقي المتدخلين، بهدف تعميم آلية التعاقد باعتبارها إحدى أبرز الوسائل لترجمة الالتقائية والتكامل بين مختلف البرامج والمشاريع المدرجة في برامج التنمية الجهوية. وسيتم بموجبه تحديد منهجية تحضير وصياغة وتنفيذ العقود وكيفيات التتبع والتقييم وآليات التنسيق بين الفاعلين، وذلك لضبط التزامات ومسؤوليات الأطراف المتعاقدة.
ولا يزال هذا المشروع قيد الدراسة لدى الأمانة العامة للحكومة في أفق عرضه على مجلس الحكومة للمصادقة. وفي انتظار صدوره، وجهت وزارة الداخلية الدورية رقم 731 بتاريخ 31 مايو 2024 إلى ولاة الجهات، لضبط منهجية إعداد عقود البرامج بين الدولة والجهات لتنزيل برامج التنمية الجهوية للفترة 2022 .2027
هذا، ويبقى نجاح التعاقد بين الدولة والجهات وباقي المتدخلين رهينا باعتماد إطار تنظيمي يحدد بشكل واضح التزامات مختلف الأطراف خلال مراحل إعداده وتنفيذه، وكذا ترشيد وضبط آجال الإجراءات المتعلقة بمسطرة إبرام العقد، بهدف تدارك النقائص المسجلة على مستوى تنفيذ الجيل الأول من برامج التنمية الجهوية.
ضرورة تحديد كيفيات وآليات نقل الاختصاص من الدولة إلى الجهات مع اعتماد مبدأي التدرج والتمايز
يتطلب نقل الاختصاصات من الدولة إلى الجهات تحديد الحد الأدنى من الاختصاصات التي يجب الشروع في نقلها، وخاصة تلك المرتبطة بمجالات وخدمات ذات الأهمية المباشرة للمواطنين. كما أن التوسيع التدريجي لاختصاصات الجهات يستلزم اعتماد التدرج والتمايز والممارسة الفعلية والإلمام بالاختصاصات الذاتية، بالإضافة إلى تقييم قدرتها على الاضطلاع بالاختصاصات التي ستنقل إليها من قبل الدولة ومدى توفرها على الإمكانيات اللازمة لذلك، لتفادي إثقال كاهلها باختصاصات متعددة. غير أنه لم يتم بعد اعتماد الآليات المؤطرة لتطبيق مبدأ التمايز في نقل الاختصاصات، خاصة المعايير المعتمدة من قبل الدولة لتقييم مدى قدرة الجهة على الاضطلاع بالاختصاصات التي ستنقل إليها.
ثالثا. التوصيات
على ضوء نتائج تتبع ورش تفعيل الجهوية المتقدمة، يوصي المجلس رئاسة الحكومة بما يلي:
- العمل على إصدار المراسيم الخمسة المتعلقة بتحديد اختصاصات وتنظيم التمثيليات الإدارية الجهوية المشتركة والقطاعية التي صادقت على إحداثها اللجنة الوزارية للاتمركز الإداري لتحقيق وحدة عمل مصالح الدولة على المستوى الجهوي وضمان حسن التنسيق فيما بينها؛
- تسريع تنفيذ الإجراءات المبرمجة في خارطة الطريق لتنفيذ الميثاق الوطني للاتمركز الإداري وتقييم نتائجه، وكذلك توفير الظروف والآليات الملائمة لانتظام عمل اللجنة الوزارية للاتمركز الإداري؛
- تسريع وتيرة نقل الاختصاصات ذات الأولوية المتعلقة بالاستثمار إلى المصالح اللاممركزة بهدف تسهيل الإجراءات الإدارية للاستثمار وتمكين المستثمرين من إنجازها في ظروف ملائمة، وذلك على أساس خطة عمل محددة تأخذ بعين الاعتبار التنسيق المحكم بين القطاعات الوزارية.
كما يوصي وزارة الداخلية بما يلي:
- العمل، بالتنسيق مع القطاعات الوزارية المعنية، على وضع مخطط عمل وبرمجة زمنية لملاءمة النصوص التشريعية والتنظيمية المتعلقة باختصاصات القطاعات الوزارية ذات الصلة بالاختصاصات الذاتية والمشتركة للجهات.
- مواكبة الجهات في إنجاز برامج التنمية الجهوية التي تم التأشير عليها لتدارك النقائص المسجلة في السابق، مع مراعاة قدراتها التدبيرية والموارد المالية الملتزم بتعبئتها، وتحري الدقة في تحديد المشاريع ذات الأولوية المقرر إنجازها في إطار عقد بين الدولة والجهة وباقي المتدخلين، يتضمن الآليات الكفيلة بإنجاحها، لاسيما من خلال تحديد شكليات وشروط إبرام وتنفيذ هذا العقد؛ تحديد كيفيات ومعايير تطبيق مبدأي التدرج والتمايز بين الجهات عند نقل الاختصاصات، وإجراء تقييم لقدرة الجهات على الاضطلاع باختصاصاتها، لاسيما تلك المرتبطة بمجالات وخدمات ذات الأهمية المباشرة للمواطنين ولإطار الاستثمار.
المصدر: تقرير المجلس الأعلى للحسابات 2023-2024، جريدة الرسمية 14 دجنبر 2024