لماذا تصر أوكرانيا على الانضمام إلى حلف الناتو؟


الأستاذ حمزة الماموني

   باحث في القانون

        يعود تاريخ الصراع بين أوكرانيا وروسيا إلى تفكك الاتحاد السوفياتي وإعلان أوكرانيا استقلالها سنة 1991، مما أدى إلى توتر العلاقات بين البلدين. وتطور النزاع سنة 2014 مع عزل الرئيس الأوكراني الموالي لروسيا، وضم هذه الأخيرة لشبه جزيرة القرم، وكذا ظهور صراع مع مجموعات موالية لروسيا في منطقتي دونيتسك ولوهانسك، ليصل التوتر ذروته مع رغبة أوكرانيا في الانضمام إلى حلف الناتو، وهو ما اتخذته روسيا سببا أساسيا للهجوم على أوكرانيا سنة 2022 تحت ذريعة حماية الأمن القومي الروسي، واعتبار انضمام أوكرانيا للحلف خطرا  يهدد روسيا. 

ومن هنا تبرز أهمية التساؤل حول
إصرار أوكرانيا على الانضمام إلى حلف الناتو.

أولا- ما هو حلف الناتو؟

          حلف شمال الأطلسي، المعروف اختصارا بـ NATO، هو حلف تأسس بموجب معاهدة واشنطن في أبريل 1949، حيث كانت الغاية من تأسيسه مواجهة التهديدات خلال فترة الحرب الباردة للاتحاد السوفياتي. لاحقا، تطور الحلف ليصبح تحالفا عسكريا يهدف إلى الدفاع عن أي دولة عضو تتعرض لتهديد عسكري؛ حيث يضم الحلف حاليا 32 دولة، آخرها السويد التي انضمت سنة 2024. وللإشارة، يعتبر المغرب الحليف الرئيسي للناتو خارج دول الحلف.

ثانيا - سعي أوكرانيا للانضمام إلى حلف الناتو

       يعتبر طلب أوكرانيا الانضمام إلى الناتو النقطة التي أفاضت الكأس في علاقتها المتوترة مع روسيا، مما أدى إلى نشوب نزاع عسكري بينهما. وبالاستناد إلى معاهدة حلف الناتو، فإن انضمام أوكرانيا للحلف سيمكنها من الاستفادة من مجموعة من الآليات التي ستعزز قدراتها العسكرية، خصوصا عبر تعزيز التعاون العسكري والاقتصادي والسياسي بين الدول الأعضاء، إلى جانب تقوية القدرات الدفاعية المشتركة.

       لكن يعد مبدأ الدفاع المشترك، المنصوص عليه في المادة 5 من المعاهدة، من أهم الآليات التي يتيحها الحلف. إذ تنص هذه المادة على أنه في حال تعرض أي دولة عضو لهجوم عسكري، فإن جميع الدول الأعضاء تلتزم بالدفاع عنها، سواء عبر المساعدة العسكرية المباشرة أو بأي وسيلة أخرى؛ ومن أمثلة تطبيق هذه المادة تدخل الناتو في حرب أفغانستان سنة 2001.

       هذا ما يثير قلق روسيا، التي تعتبر أوكرانيا جزءا لا يتجزأ من امتدادها الجغرافي والثقافي. وبالتالي، أي محاولة مستقبلية من روسيا لاستعادة الأراضي الأوكرانية ستواجه بتدخل حلف الناتو إذا ما أصبحت أوكرانيا عضوا فيه، وهو السبب الأساسي وراء سعي أوكرانيا للانضمام إلى الحلف.

ثالثا - مستقبل انضمام أوكرانيا للناتو

        أمام استمرار الحرب الروسية-الأوكرانية منذ 2022 إلى اليوم، يعد انضمام أوكرانيا للحلف أمرا صعبا بسبب عدة عوامل، أبرزها:

شروط روسيا في أي اتفاق سلام مستقبلي: من المحتمل أن تشترط روسيا عدم انضمام أوكرانيا للناتو كجزء من أي اتفاقية سلام بين البلدين.

تراجع التأييد داخل الحلف: رغم الدعم الأوروبي لأوكرانيا، فإن بعض الدول الأعضاء بدأت تتراجع عن دعم انضمامها، خصوصا الولايات المتحدة الأمريكية، حيث أكد الرئيس دونالد ترامب في عدة مناسبات رفضه لهذه الفكرة وعدم واقعيتها، كما أن بعض الدول التي تربطها علاقات متوازنة مع روسيا، مثل تركيا، لا تسعى إلى تأزيم علاقاتها مع موسكو.

الوضع الاقتصادي الأوروبي والعالمي: رغم دعم أوروبا لأوكرانيا، فإن انضمامها للناتو بات محل شك، إذ أن الدول الأوروبية غير مستعدة اقتصاديا لمواجهة نزاع عسكري مباشر مع روسيا، خصوصا مع موقف الولايات المتحدة الحالي. كما أن قوة روسيا العسكرية تشكل تهديدا لا يمكن تجاهله، وهو ما قد يؤدي إلى عدم استقرار اقتصادي وسياسي لأوروبا في حال نشوب حرب شاملة بين روسيا والدول الداعمة لأوكرانيا.

ختاما

         رغم إصرار أوكرانيا على الانضمام إلى حلف الناتو، فإن هذا الهدف لا يزال بعيد المنال في ظل المعطيات الحالية، لا سيما مع تراجع دعم الولايات المتحدة الأمريكية، والأوضاع الاقتصادية العالمية المتأزمة، بالإضافة إلى أن أي اتفاق سلام مستقبلي بين روسيا وأوكرانيا سيكون من بين شروطه عدم انضمام أوكرانيا إلى الحلف.

Why does Ukraine insist on joining NATO?



أحدث أقدم