محمد سعد جرندي
رئيس القسم الاجتماعي الثاني
بمحكمة النقض
يعتبر طبيب الشغل من فئة الأجراء المحميين، وتتجلى هذه الحماية من خلال كون مدونة الشغل خصصت مجموعة من موادها لتنظيم هذه الفئة، وكذا حينما أفردت لها مسطرة خاصة وضعت فيها مجموعة من الضمانات قبل اتخاذ أي إجراء تأديبي في حق هؤلاء.
وقد تناولت مواد مدونة الشغل مجموعة من الجوانب المرتبطة بطب الشغل خصصت لكل ما نعتبره: "ارتباط طبيب الشغل بعقد شغل مع الجهة المشغلة"، وأيضا ل شروط ممارسة أطباء الشغل لمهامهم"، وكذا "التزامات الجهة المشغلة تجاه طبيب الشغل ، إضافة إلى صلاحيات أطباء الشغل"، وأخيرا لـ " المسطرة التأديبية لأطباء الشغل"، وهي أهم المحاور التي سوف نتعرض لها ببعض التفصيل كما يلي:
أولا : ارتباط طبيب الشغل بعقد شغل مع الجهة المشغلة
من أجل تنظيم علاقة الشغل بين طبيب الشغل وبين الجهة المشغلة من خلال تحديد حقوق والتزامات الطرفين فقد نصت المادة 312 من مدونة الشغل على أنه يرتبط طبيب الشغل بالمشغل أو برئيس المصلحة الطبية المشتركة بين المقاولات، بعقد شغل تراعى فيه القواعد التي تقوم عليها أخلاقيات المهنة".
فحسب مفهوم هذه المادة وبموجب هذا العقد فقد يرتبط طبيب الشغل بمشغل واحد وسوف يسدي خدماته المقاولة هذا المشغل، وقد يرتبط بمصلحة طبية مشتركة بين عدة مقاولات وتبعا لذلك فإن خدماته سوف تكون لفائدة هذه المقاولات.
كما أن هذه المادة قد نصت على أن تراعى في هذا العقد كيفما كان أطرافه قواعد أخلاقيات المهنة غير أنه في ظل غياب أي نص قانوني صدر في عهد الاستقلال يتعلق بأخلاقيات المهنة فإن النص الوحيد الذي يخص هذا الجانب هو قرار المقيم العام الفرنسي الصادر بتاريخ 1953/11/08 المتعلق ب "مدونة أخلاقيات الأطباء ".
ثانيا: شروط ممارسة أطباء الشغل المهمتهم
لقد نصت المادة 310 من مدونة الشغل على أنه: "يجب أن يكون أطباء الشغل، حاصلين على شهادة تثبت أنهم مختصون في طب الشغل.
يجب على أطباء الشغل أن يكونوا مسجلين في جدول هيئة الأطباء، ومرخصا لهم بمزاولة الطب".
فهذه المادة قد حددت ثلاثة شروط أساسية لممارسة مهمة طبيب الشغل نفصلها على الشكل التالي:
الشرط الأول: الحصول على شهادة الاختصاص في طب الشغل
يقتضي هذا الشرط أن يكون الطبيب حاصلا على شهادة تؤهله للقيام بهذه المهمة، بمعنى أن الاختصاص في طب الشغل يعتبر أمرا لازما لممارستها، ولا شك أن ذلك يفترض خضوع هذا الطبيب لتكوين خاص بهذا المجال كما يتعين عليه أن يكون ملما بجميع الأمراض التي لها طابع مهني.
وأما الشهادة فيمكن أن يحصل عليها من وزارة الصحة أو من الهيئة الوطنية أو الهيئة الجهوية للأطباء، ذلك أن عدم تحديد الجهة التي تسلمه هذه الشهادة وشروط الحصول عليها يجعلنا نخوض في مجموعة من الفرضيات.
الشرط الثاني: التسجيل في جدول هيئة الأطباء
وأما التسجيل في جدول هيئة الأطباء فإن القانون المتعلق بالهيئة الوطنية للأطباء الصادر بتاريخ 22013/3/13 هو الذي يسند إلى هذه الهيئة صلاحية البت في طلب هذا التسجيل، وهو ما أكدت عليه المادة الرابعة من قانون مزاولة مهنة الطب حيث أحالت على قانون هذه الهيئة بخصوص التسجيل واستعملت عبارة التقييد بدلا من التسجيل.
وأما إجراءات هذا التسجيل وكذا الوثائق المرفقة بطلب التسجيل وخاصة بالنسبة للأطباء المغاربة سواء في القطاع الخاص أو التابعين لقانون الوظيفة العمومية أو التابعين لقانون . فقد حددتها المواد الأولى والثانية والثالثة من المرسوم رقم : 447-15-2 المتعلق بتطبيق القانون 13-131 المتعلق بمزاولة مهنة الطب، وأما المادة السادسة من هذا المرسوم فقد نصت على أن البت في طلب التسجيل يعهد به إلى رئيس المجلس الجهوي لهيئة الأطباء.
وقد حددت المادة 514 من مدونة الشغل طبيعة هذا الترخيص والذي يكون في شكل "تأشيرة توضع على عقد الشغل"، كما نصت على أن هذه التأشيرة تسلمها السلطة الحكومية المكلفة بالشغل وهي بالطبع وزارة الشغل.
ويلاحظ أن المادة 27 من قانون ممارسة مهنة الطب قد أكدت على مبدأ ضرورة الحصول على هذا الإذن إلا أنها لم تحدد بالضبط الجهة التي تمنح هذا الإذن واقتصرت على نعتها بالسلطة الحكومية المختصة وإن كانت قد أحالت على ما ينص عليه القانون التنظيمي.
غير أنه بالرجوع إلى المادة السابعة من القانون التنظيمي المطبق لقانون ممارسة مهنة الطب فإنها قد نصت على كون هذا الإذن يسلم من قبل وزير الصحة بناء على رأي مطابق للأمين العام للحكومة وبعد أخذ رأي المجلس الوطني للأطباء.
فهل يتعلق الأمر بإذن يسلم من وزير الصحة أو أنه يتعلق بترخيص في شكل تأشيرة توضع على عقد الشغل من قبل وزير الشغل.
نعتقد أنه ومن أجل التوفيق بين هذين المقتضيين ومن أجل تفادي أي تناقض أو تنازع حول الجهة التي تمنح هذا الإذن أن الجهة المختصة هو وزير الصحة ما دام الأمر يتعلق بطبيب، بينما يتم وضع التأشيرة من قبل السلطة الحكومية المكلفة بالشغل في شخص وزير الشغل باعتبار أن الأمر يتعلق بأجير أجنبي يتعين عليه التقيد أيضا بمقتضيات مدونة الشغل التي تنظم تشغيل الأجانب.
ثالثا: التزامات الجهة المشغلة تجاه طبيب الشغل.
يمكن تقسيم الالتزامات التي تتحملها الجهة المشغلة والتي ترتبط بعمل طبيب الشغل إلى نوعين يرتبط الأول بتقديمها المساعدة له في القيام بمهامه من جهة، ويرتبط الثاني بتمكينه من معرفة تركيبة المواد التي تنتجها المقاولة، وتفصيل ذلك كما يلي:
1. مساعدة الجهة المشغلة لطبيب الشغل في القيام بمهامه.
من أجل تسهيل مأمورية طبيب الشغل فقد أوجبت المادة 326 من مدونة الشغل على رئيس المقاولة أو المشغل بصفة عامة تقديم جميع التسهيلات، وقد حددت مجال هذه التسهيلات في عنصرين أساسيين:
العنصر الأول: مراقبة استيفاء المقاولة لشروط الشغل
لا شك أن تقديم التسهيلات في مجال المراقبة وكما ورد في المادة المذكورة يشمل تأكد طبيب الشغل من توفر شروط الشغل، وفي حالة وجود خلل يرتبط بتدابير السلامة وحفظ الصحة أثناء إنجاز بعض...