خصائص الضحية في الجريمة الإرهابية

     الدكتور مصطفى الرزرازي

     من المعلوم أنه عندما يثار تساؤل حول الجريمة في علاقتها بالضحية تطرح مسألة حماية المجتمع كقاعدة أساسية، لذلك طغى الاهتمام بالمجرم أكثر من الضحية، وهناك حماية النظام العام، وهذه المسألة مرتبطة بالمؤسسة التي تحتكر العنف الشرعي التي تسمى الدولة، ثم هناك حماية الضحية والتي تعنى بها كافة القوانين الدولية وليست حصرا على المغرب فقط، وللأسف جميع القوانين والممارسات الفضلى الدولية ليست لها صفة الإلزامية حينما يتعلق الأمر بضحايا الإرهاب يعني لا تلزم الدول بل توصي»، وإذا رجعنا لقرارات مجلس الأمن المتعلقة بالإرهاب فإن صفة الإلزامية منصوص عليها في جميع الحالات، باستثناء الحالة المتعلقة بالضحية فإنها تقتصر على التوصية، وهذا الجانب جد مهم وربما يمكن المغرب وحلفائه ممكن أن يشتغلوا على تطوير هذه اللغة التي توجد داخل المنظومة الأممية.

خصائص الضحية في الجريمة الإرهابية

عندما يتعلق الأمر بالضحية هناك تقيسمات عديدة للضحايا، فمن بين الضحايا هناك القتلى والمفقودين والجرحى، وعائلاتهم، والناجون، هناك المتأثرون من جراء الأحداث الإرهابية الذين يعيشون حالات صدمية وهناك المتراجعون الذين ينسحبون من الأعمال الإرهابية دون التورط في أي فعل، وهناك المستقطبون بالخدعة وهناك الضحايا الشهود.

الجانب المعقد في التناول القانوني للضحية لا يكمن في تمكينه من التعويض الذي لا يكفي لجبر الضرر لكونه جزئي جدا ويستدعي مسايرته بالمصحابة والدعم وغيرهما من المستلزمات، بل يتجلى في أن الضحية الذي نجا من الحادث، أو عائلة الضحايا يعيشون في بعض الأحوال حالات صدمية متأخرة، كما أن هناك فئة تنتمي إلى فئات الضحايا تكون عرضة أكثر من غيرها لأضرار عميقة وهي فئة الأطفال، أما فيما يخص الراشدين فلا بد من إيلائهم العناية اللازمة من خلال محاولة معالجة الظروف والعوامل التي حولتهم إلى مجرمين وبالتالي سجناء إذ أن وقف أعداد الجرائم يؤدي إلى وقف في حالات العود الأمر الذي ينعكس على وقف أعداد الضحايا. لذلك فلقد أدى الاهتمام بأساليب تنفيذ العمل الإرهابي المتميزة بالقساوة دون مراعاة الأضرار التي قد تسببها للضحايا إلى ظهور مدارس آليات الالتماس، وتنفيذ الفعل، والالتحام والخدعة.

إن تحليل الفكر المتطرف يساعد في معرفة طريقة التفكير، لذلك يجب عدم إهماله في علاقته بمفهوم

 الضحية عند الشخص المتطرف، وأشير في هذا السياق إلى كتاب حول موضوع إدارة التوحش» الذي يناقش مسألة مهمة «لا يهم عدد المتطرفين ولا عدد الضحايا بمعنى أن يكون هناك عشرة أشخاص متطرفين من أجل تنفيذ عملية إرهابية ضد ضحيتين أو ضحية، أي أن الحدث في حد ذاته هو المهم أهم من الفعل، ولهذا في تقييم حقوق الضحايا عندما نفهم طريقة تفكيرهم كما لا يجب أن نستهين بكون الضحية هو شخص واحد.

طبعا بالنسبة لآليات جبر الضرر النفسي فإن المصاحبة النفسية جد مهمة منذ البداية إلى النهاية، فقد يظهر لنا أن الضحية أصبح «ضحية متوترة وبالتالي يتحول إلى فاعل ضد السلم الاجتماعي، وهناك آلية عندما يكون هناك كارثة من الكوارث، فهذا الشخص أي الهيستيري من المهم الاهتمام به أكثر من غيره فأي خدعة تقدم للضحية فهي في مصلحة الدولة في المرتبة الأولى والأمن العام.

ولهذا فآليات جبر الضرر النفسي التي تحدثت عن إصلاح الأضرار، ورد الأشياء، فللأسف في العمل الإرهابي يبدوا ذلك شبه مستحيل في ظل آليات التعافي النهائي من تلك الأضرار. ولعل أهم التدخلات التي تساعد وتقدم الدعم النفسي للضحايا وهنا يجب التفريق بين الطبيب النفسي le psychologue ، والأخصائي النفسي le psychiatre فهذا الأخير يتدخل في مراحل حرجة ترتبط بالعلاج الدوائي.

في الختام، هناك شريحة جد مهمة من الضحايا غير المباشرين لا يتم الاهتمام بها، بحيث أن البحث الاجتماعي أثبت أن المتطرف الواحد ينفذ عملية، وله أربعة أطفال يعانون من فشل في الدراسة يصبحون منحرفين ويؤدي ذلك إلى إعادة إنتاج وتغذية منظومة الانحراف المتعددة، وربما هذه الفئة تلعب أدوارا خطيرة في إعادة الإدماج، وتعطيل آلية التعافي، ليس الأمر خاص بالمتطرف فقط، على اعتبار أن الفعل الجرمي لا يورث وله كلفة اقتصادية مهمة.

في الأخير، أقترح أن يتم إحداث آلية موازية تحدد أضرار الضحية أثناء سريان الدعوى الجنائية المصاحبة ومواكبة الضحايا.

المصدر: مجلة الشؤون الجنائية عدد غشت 2023

أحدث أقدم